المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : طلب العلم من الكتب هل يغني عن مجالسة العلماء؟


ذوالجناح
11-02-2010, 07:16 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

قد يتوهم بعض الشباب أن قراءة الكتب وتصفح بعض المواقع واستماع بعض المحاضرات تصنع داعية أو عالماً، ونشاهد في عالم النت وفي القنوات الفضائية من ارتقى على أكتاف المعجبين من عامة الناس ودهمائها حتى أصبح يشار إليه بالبنان ثم تجرأوا على الخوض فيما لاينبغي لهم الخوض فيه فجاؤوا بالعجائب. وصدق من قال: من كان شيخه كتابه، كان خطؤه أكثر من صوابه.
وما أجمل هذه الفقرات للشيخ: بكر أبوزيد رحمه الله في كتابه الماتع النافع الذي ينبغي لكل مسلم قراءته (حلية طالب العلم):
"الأصل في الطلب أن يكون بطريق التلقين والتلقي عن الأساتيذ، والمثافنة للأشياخ، والأخذ من أفواه الرجال لا من الصحف وبطون الكتب، والأول من باب أخذ النسيب عن النسيب الناطق، وهو المعلم أما الثاني عن الكتاب، فهو جماد، فأنى له اتصال النسب؟
وقد قيل:"من دخل في العلم وحده؛ خرج وحده"؛ أي: من دخل في طلب العلم بلا شيخ؛ خرج منه بلا علم، إذ العلم صنعة، وكل صنعة تحتاج إلى صانع، فلا بد إذاً لتعلمها من معلمها الحاذق.
وهذا يكاد يكون محل إجماع كلمة من أهل العلم؛ إلا من شذ مثل: علي بن رضوان المصري الطبيب (م سنة 453هـ)، وقد رد عليه علماء عصره ومن بعدهم.
قال الحافظ الذهبي رحمه الله تعالى في ترجمته له:
"ولم يكن له شيخ، بل اشتغل بالأخذ عن الكتب، وصنف كتاباً في تحصيل الصناعة من الكتب، وأنها أوفق من المعلمين، وهذا غلط"1هـ.
وقد بسط الصفدي في "الوافي" الرد عليه، وعند الزبيدي في "شرح الإحياء" عن عدد من العلماء معللين له بعدة علل؛ منها ما قاله ابن بطلان في الرد عليه.
السادسة: يوجد في الكتاب أشياء تصد عن العلم، وهى معدومة عند المعلم، وهى التصحيف العارض من اشتباه الحروف مع عدم اللفظ، والغلط بزوغان البصر، وقلة الخبرة بالإعراب، أو فساد الموجود منه، وإصلاح الكتاب، وكتابة ما لا يقرأ، وقراءة ما لا يكتب، ومذهب صاحب الكتاب، وسقم النسخ، ورداءة النقل، وإدماج القارئ مواضع المقاطع، وخلط مبادئ التعليم، وذكر ألفاظ مصطلح عليه في تلك الصناعة، وألفاظ يونانية لم يخرجها الناقل من اللغة، كالنوروس، فهذه كلها معوقة عن العلم، وقد استراح المتعلم من تكلفها عند قراءته على المعلم، وإذا كان الأمر على هذه الصورة، فالقراءة على العلماء أجدى وأفضل من قراءة الإنسان لنفسه، وهو ما أردنا بيانه 00 قال الصفدي: ولهذا قال العلماء: لا تأخذ العلم من صحفي ولا من مصحفي، يعنى: لا تقرأ القرآن على من قرأ من المصحف ولا الحديث وغيره على من أخذ ذلك من الصحف 000"ا هـ.
والدليل المادي القائم على بطلان نظرة ابن رضوان: أنك ترى آلاف التراجم والسير على اختلاف الأزمان ومر الأعصار وتنوع المعارف، مشحونة بتسمية الشيوخ والتلاميذ ومستقل من ذلك ومستكثر، وانظر شذرة من المكثرين عن الشيوخ حتى بلغ بعضهم الألوف كما في "العزاب" من "الإسفار" لراقمه.
وكان أبو حيان محمد يوسف الأندلسي (م سنة 745 هـ) إذا ذكر عنده ابن مالك، يقول:"أين شيوخه ؟".
"وقال الوليد:
كان الأوزاعي يقول: كان هذا العلم كريماً يتلاقاه الرجال بينهم، فلما دخل في الكتب، دخل فيه غير أهله.
وروى مثلها ابن المبارك عن الأوزاعي.
ولا ريب أن الأخذ من الصحف وبالإجازة يقع فيه خلل، ولا سيما في ذلك العصر، حيث لم يكن بعد نقط ولا شكل، فتتصحف الكلمة بما يحيل المعنى، ولا يقع مثل ذلك في الأخذ من أفواه الرجال، وكذلك التحديث من الحفظ يقع فيه الوهم، بخلاف الرواية من كتاب محرر" اهـ.
ولابن خلدون مبحث نفيس في هذا، كما في "المقدمة"له.
ولبعضهم:
من لم يشافه عالماً بأصوله ... ... فيقينه في المشكلات ظنون
وكان أبو حيان كثيراً ما ينشد:
يظن الغمر أن الكتب تهدى ... ... أخاً فهم لإدراك العـــــــــلوم
وما يدرى الجهول بأن فيها ... ... غوامض حيرت عقل الفهيم
إذا رمت العلوم بغير شيخ ... ... ضللت عن الصراط المستقيم
وتلتبس الأمور عليك حتى ... ... تصير أضل من "توما الحكيم". "
انتهى كلام الشيخ بكر.

ويقول الشيخ علي العمران في كتابه: المشوق إلى القراءة وطلب العلم:
"لابُد من الموازنة والمزاوجة بين أخذ العلم من الكتب وأخذه من العلماء، فإن العلم وإن كان موْدعًا في بطون الكتب، إلا أن مفاتِحَهُ بأيدي الرجال، كما في المقولة المشهورة.
فلا أقلَّ من أخذ مختصر في كلِّ علمٍ على عالم به متخصِّص فيه، فبعد أن يُحَصِّل الطالب قاعدةَ الفن وأصوله، فَلْيَبْنِ عليه حينئذٍ، مع التدرُّج والترقِّي بالقراءة في مطوَّلاته وشروحه، وليحرص مع ذلك كلِّه على مُسَائلَةِ أهل الفن ومذاكرتهم، فإنه كما قال الإمام النووي "مذاكرة حَاذِقٍ في الفنِّ ساعةَ أنفع من المطالعة والحفظ ساعاتٍ بل أيَّامًا"." أ. هـ.

ومن طريف ما يحكى من التصحيفات الشنيعة لبعضهم أن رجلاً قال لأبي نعيم: حدثتك امك. يريد: حدثك أميٌّ الصيرفي.
وآخر جاء يسأل الليث بن سعد فقال له: كيف حدثك نافع عن النبي :salla: في الذي نشرت في أبيه القصة؟ فقال: ويحك إنما هو الذي يشرب في آنية الفضة.
ومثله من زعم أن النبي :salla: ضحى بهرة؛ لأنه قرأ أنه ضحى ببقرة ولكن التبس عليه الأمر أو التصقت بعض الحروف ببعضها وهذه من أدهى ما يمكن أن يقع فيه فيه الإنسان.
ولو تقصى أحدنا ما يقع فيه أولئك الصحفيون الذين يخطبون الناس هذه الأيام لوجد عجائب وأوابد من لحن في الآيات القرآنية وتصحيف للأحاديث النبوية واجتهادات وقياسات خاطئة. وقد ابتلانا الله منذ سنوات بخطيب متملق خطب لنا مرة فمدحه بعض العامة وأخبره بأنه لم يسمع مثل هذه الخطب حتى في الحرم فانتفخ أخونا ولا حول ولا قوة إلا بالله وجاءنا الأسبوع الثاني وقد سمع فاتحة النساء من أحد القراء الذين يقرؤون على علم وبصيرة بأوجه مختلفة للقراءة فجلس يرددها في بداية خطبته ويكرر كلمة تساءلون مرات عديدة حتى لفت نظر الناس. وكان كلما سمع شائعة عن شخص وأنه وقع في كذا وكذا خطبنا وأرعد وأبرق ولمح وصرح وردد الكلام حتى يتنبه من لم يكن منتبهاً ويعلم من كان جاهلاً من المقصود بكلامه. نسأل الله السلامة والعافية ونسأله أن يجنبنا الفتنة والعجب بالرأي والزهو بالنفس وأن يلزمنا حب العلماء وتوقيرهم.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

تحياتي: ذوالجنـــاح

الدمشقي
11-02-2010, 10:11 PM
جزاك الله خيراً أخي الفاضل ذو الجناح
على هذا الطرح القيم والمفيد

اللهم اغفر لنا ولآباءنا وأمهاتنا ولمن علمنا ولمن كان له الفضل علينا
اللهم آمين

abo_yousra
11-02-2010, 10:37 PM
جزاك الله خيرا يا أخى
وتذكرنى بمقولة احد العلماء

(( كثر خطأه عن صوابه من كان شيخه كتابه ))

حياك الله على الطرح الكريم

abohmam
11-02-2010, 11:24 PM
جزاك الله خيرا أخى ذا الجناح على هذا المقال الرائع

بارك الله فيك وفى أهل العلم جميعا

أبو يوسف
12-02-2010, 08:17 AM
"الأصل في الطلب أن يكون بطريق التلقين والتلقي عن الأساتيذ، والمثافنة للأشياخ، والأخذ من أفواه الرجال لا من الصحف وبطون الكتب، والأول



جزاك الله خيرا أخي ذو الجناح ؛

طبعا لا يغني فلابد من ملازمة العلماء والصالحين لأخذ العلم والصلاح عنهم، ولسؤالهم عن ما يشكل،وقد شرط بعض العلماء على أن يقابل التلميذ أستاذه وهذا لا يحصل عند أخذ العلم عن طريق السماع ..

أخي الفاضل في المقطع الذي إقتبسته وجدت كلمة يمكن أن يكون هناك خطأ بالنسخ ( والمثافنة للأشياخ، ) أتمنى تعديلها إلا إذا كنت تقصدها فأظن أن (المقابلة للأشياخ..)

سالي الفلسطينية
12-02-2010, 11:39 AM
شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

ذوالجناح
12-02-2010, 08:28 PM
إخوتي:
محمد، وأبايسرى، وأباهمام، وسالي
نورتم الموضوع بمروركم.
أخي أبايوسف: نورت الموضوع.
.
أخي الفاضل في المقطع الذي إقتبسته وجدت كلمة يمكن أن يكون هناك خطأ بالنسخ ( والمثافنة للأشياخ، ) أتمنى تعديلها إلا إذا كنت تقصدها فأظن أن (المقابلة للأشياخ..)

يقال: ثافنتُ فلاناً أُثافنه مُثافَنة، إذا جاثَيْتَه تحادثه وتلازمه وتكلمه.
وقال أبو عبيد: المُثافِن والمُثَابر، والمُواظِب، واحِدٌ. أ.هـ عن تهذيب اللغة للأزهري.

وثافَنْتُ الرجلَ مُثافنةً أَي صاحَبْتُه لا يخفى عليّ شيءٌ من أَمره، وذلك أَن تَصْحَبه حتى تَعْلَمَ أَمرَه. وثَفَنَ الشيءَ يَثْفِنُه ثَفْناً: لَزِمَه. ورجل مِثْفَنٌ لِخَصْمِه: مُلازِمٌ له؛ ... أ.هـ عن لسان العرب لابن منظور.

وكتب الشيخ بكر معروفة لمن يقرؤها بأنها تحوي في هوامشها فوائد لغوية بديعة وفهارسها كذلك وذاك دليل على اهتمام الشيخ بالجانب اللغوي رحمه الله ونفع بعلمه.
ومن الآداب التي تعلمناها في المعلامة (اقتصرت دراستنا فيها على القرآن والتجويد فقط) أن أحدنا يجلس ويدني ركبتيه من ركبتي معلمه وقد علمنا هذا الأدب أول مرة أحد الحفاظ الأزهريين من مصر الشقيقة نسأل الله أن يطيل عمره على طاعته إن كان لايزال حياً ويغفر له إن كان قدمات. وأذكر اننا مكثنا معه أسبوعاً كاملاً في سورة الفاتحة حتى أخرجنا حرف الضاد من مخرجه وتركنا لحناً كنا نقع فيه ويسميه -جزاه الله خيراً- القراءة بالغنة.

أبو يوسف
12-02-2010, 09:03 PM
جزاك الله خيرا أخي ذو الجناح على الإيضاح

محمود عفيفى
12-02-2010, 11:51 PM
مش كل اللى يقرا كام ورقه يطلع علينا ونقول شيخ
جزاك الله خيراً اخى ذو الجناح :abc_152: