المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قتيبة بن مسلم الباهلي فاتح تشنغ يانغ / خضر صبح


خضر صبح
09-07-2009, 08:11 AM
قتيبة بن مسلم الباهلي فاتح تشنغ يانغ / خضر صبح


قتيبة بن مسلم الباهلي
http://www.alarabimag.com/arabi/data/2007/10/1/Media_80603.JPG
قائد آخر من عمالقة الفتوح، اخترقت شهرته الدوي في زمن الذروة، حيث القادة الملهمون لا حدود لطموحهم، ولا كابح لحماستهم، ولا نهر يحول دون توغّلهم في أقاصي الأرض ولا بحر.
http://www.alarabimag.com/arabi/data/2007/10/1/Media_80604.JPG
أقسم قتيبة بن مسلم قائد جيوش الوليد بن عبد الملك في المشرق لما ولي القيادة أنه ليطأنَّ أرض الصين ، وتوغل في بلاد ما وراء النهر إِلَى أن وصل إِلَى تركستان التي هي الآن خاضعة للصين فأرسل ملك الصين إليه وزراءه ووفده، وقالوا له: لا تدخل إِلَى أرضنا ونحن نرضيك بما تشاء وندفع لك من الجزية ما تشاء، فَقَالَ لهم: أقسمت أن أطأ أرض الصين قالوا: نَحْنُ نعطيك تحله اليمين، فذهب وفد ملك الصين وأخذوا تراباً من تراب الصين وحملوه وجاءوا به إِلَى قتيبة ، فوطأه بقدمه ووقف عليه، وأخذ منهم الجزية وهم صاغرون، إذاً فهذا عز عظيم للإسلام.

خضر صبح
09-07-2009, 08:11 AM
قُتَيْبَةَ بنُ مُسلِمٍ البَاهِلِيّ
*فَاتح المَشرِق*
*****

إنكم لا تفهمون هذا الحديث إلا إذا وضعتم تحت أعينكم مصوَّر العالم الأسلامي . أترون إلى هذه البلاد التي تمتد من ساحل المحيط الأطلنطي ، حتى لتكاد تتصل بساحل المحيط الهادي ، من فارس إلى الصين . إننا لم نفتح هذه البلاد لهواً أو لعباً ، ولكن أرقنا فيها أنهاراً -أنهاراً حقّاً- من دمائنا . وضحّينا فيها بجبال من أجسادنا . وسخّرنا لها عبقرياتنا ، ووقفنا عليها بطولاتنا ، التي لم يعرف التاريخ إلا الأقل منها ، وبقي سائرها سرّاً في ضمير الغيب ، واحتساباً عند الله .
ولكل منطقة قصة رائعة ، تقرؤها فتقول هذه أروع قصص الفتوح ، فإذا قرأت الثانية؛ رأيتها أجلّ وأكبر . ولكل معركة قوّاد عباقرة تسمع أخبارهم ، فتقول هؤلاء أعظم قوّاد الزمان ، فإذا سمعت أخبار قادة المعركة الأخرى قلت : هؤلاء أعظم وأقدر .
وإذا أنت أمام سلسلة ذهبية لا تدري أي حلقة فيها أثمن من الأخرى ، وأي مرحلة من مراحل الفتوح كانت أطول وأروع ؛ فتوح الشام؟ .. أم العراق؟ .. أم المغرب؟ .. أم المشرق؟ .. أم الروم والأناضول؟ .. أم الأندلس وجزائر البحر؟
لقد تعاقب على هذه الراية الإسلامية حتى بلغ بها الأفقين . وركزها في المشرق والمغرب مئات من القوّاد ، منهم من وقف يدافع عنها ألا تتراجع ، ومنهم من رفعها بعدما كانت تميل ، وأعلاها وأعاد لها مجدها . ومنهم من مشى بها خطوات في الطريق الوعر ، ومنهم من قطع بها أقطار الأرض ؛ وفتح بها الفتوح .
وهذا الحديث عن قائد من هؤلاء القوّاد الكبار ، واحد من سادة المعارك ، وعباقرة الحروب في التاريخ العالمي ، نابغة عبقري من طبقة انيبال والاسكندر، وخالد وسعد ، وعقبة والمهلّب وطارق ، ومحمد بن القاسم ، وصلاح الدين ونابليون.
عن الرجل الذي ضمّ بسيفه إلى الوطن الإسلامي ، بلاداً أوسع من فرنسا وألمانيا وإيطاليا وإنكلترا معاً ، بلاداً يسكنها أقوى شعوب العالم القديم على الحرب . وأشدّها تمرّساً به ، وبراعة فيه ، وقدرة عليه .
رجل ما رفعه نسبه فقد كان من أخسّ قبائل العرب ، وأحطّها منزلة ، من قبيلة كان يستحي أبناؤها من الانتساب إليها . ويضرب المثل عند ذكر الضَعَة بها ، ويترفّع العرب عن ذكرها ، من (( باهلة )) .
هو الرجل الذي اختاره الحجّاج ، دون الكهول المجرَّبين ؛ والقوّاد المشهورين ، ليتولى القيادة العامة لجيش المشرق ، ليكون خلفاً للقائد العظيم الذي لا أجد أحداً من قوّادنا أشبه بخالد في براعته وعبقريته منه ، المهلّب(من أعظم قوّاد الزمان ولكن أكثرنا يجهل أخباره) ، والذي عجب الناس من انتخابه لها ، وأنكروه ، ولولا خوفهم من الحجّاج لعابوه وأبوه ، فلم تمض إلا مدة من الزمان حتى أثبت أنه من أقدر القوّاد ، وأن الحجّاج كان ثاقب النظر ، صادق الفراسة ، عظيم الخبرة بالرجال .
الرجل الذي فتح من حدوده إيران اليوم إلى أواخر تركستان ، والذي دخل الصين ، ولولا ما كان من الفواجع التي أودت به شاباً لفتح الهند والصين .
ألم تعرفوا بعد من هو؟؟!
إنه قتيبة ، قتيبة بن مسلم الباهلي .
كان مركز جيش المشرق ((مَرو)) ، وكانت الفتن قد عصفت بذلك الجيش الضخم الذي كان يقوده المهلّب وابنه يزيد ، فلمّا عرضه قتيبة لم يجد فيه إلا ثلاثمئة وخمسين درعاً فالتجأ إلى آخر حمى يلتجئ إليه كل جيش في الدنيا ، إلى الحمى الذي لا ينال من احتمى به ، إلى الحصن الذي لا يؤخذ من تحصّن به وهو الإيمان ، فقام يخطب في هذه البقيّة من جيش يزيد بن المهلّب ، ويذكرهم الله ، ويرغّبهم ثوابه ، ويحضّهم على الجهاد ، الجهاد لإعلاء كلمة الله ؛ لا الجهاد للمال ولا للبطولة ولا للمجد ، الجهاد الذي لا يثمر إلا إحدى الحسنيين : الظفر أو الجنة .
هزّ نفوسهم ، فطرح عنها أثقال الأحقاد والشهوات والأهواء ، فلمّا تخفّفت منها سمت بجناحين من الإيمان والإقدام ، إلى آفاق لم تكن تظن أنها تبلغها . فكانت هذه الكلمات حين مست جوانب الإيمان في النفوس ، قد زادت الجيش عدداً إلى عدده ، وعُدداً إلى عُدده ، فإذا هو جيش جديد ، قوي ، لو رمى به المرامي لاستجاب له ، ولو قَحَم به البحر لاقتحمه ، ولو رام به الجبال لدكّها ..... وكذلك تجدّد الجيوش ، وتُعد للظفر .
وتوجّه الجيش المؤمن على اسم الله ، لينشر الإيمان في أرض لم ينتشر فيها . ويفيض النور على أمم لم ترَ بعد النور ، سار يصل الحلقات القديمة من سلسلة الفتوح الذهبية بحلقات جديدة ، سار ليتمّم الرسالة ، ويحقّق المعجزة ، ويحمل راية الإسلام مرحلة أخرى في طريقها المرسوم ، حتى تتمّ رحمة الله للعالمين ، فتظلل الأرض كلّها .
وماهي إلا جولات حتى عجم الأعداء عوده ، وعرفوا أي سهم ماضٍ رماهم به الحجّاج ، فأقبلوا يتسابقون إلى الطاعة ، وجعلت تتساقط على قدميه التيجان ، وجاء ملك ((الطالقان)) ، وملك ((الصغانيان)) ، من ملوك الترك ، فقدّما إليه مفاتيح من الذهب على وسائد من الحرير ، رمزاً للاستسلام بلا قيد ولا شرط ، وتبعهما الملك الكبير الدّاهية ((نيزك طرخان)) ، ملك باذغيس(في طرف الأفغان اليوم) فخضع له ، وتقدّمت جيوشه ، فلم تلق معارضة تذكر ، حتى وقفت للمعركة الكبرى في بيكند على أبواب بخارى ، وقد تحالفت أمم الترك كلها على قتيبة وحصرته ؛ فانقطعت أخبار الجيش عن الحجّاج ، شهرين كاملين ، حتى يئس ولم يبق إليه إلا اللجوء إلى الله عزّ وجلّ ، وكذلك يا أيها القارئون يرفع الناس وجوههم إلى السماء ، كلّما ضاقت عليهم سبل الأرض ، فيرون باب السماء مفتوحاً أبداً ، وإن غلقت عليهم أبواب الأرض كلّها ، فأمر الخطباء بالدعاء لهم على المنابر .
وكان لقتيبة جواسيس في جيش العدو ، فأغروا كبيرهم بأن يكون معهم على قتيبة ، وشروه على أن يغشّه فجاءه وقال : أخلني .
فاختلى به ، وما معهما إلا واحد من القوّاد . فقال الجاسوس : إنّ العدو كثير ، وإن الحجّاج قد عزلك وبعث آخر في مكانك ، وأنا أرى أن تنسحب بالجيش . فقال :
أمّا كثرة العدو ؛ فكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين .
وأمّا عزلي ؛ فأنا أقاتل لله لا للحجّاج ، وأمّا أنت فقد خنت . وقرره فأقرّ فضرب عنقه ، وقال للقائد :
لم يسمع هذا إلا أنا وأنت ، وإن فهت به لألحقنّك بالخائن .
وكانت المعركة ، واشتدت ، وصدقوا الحملة ، حتى زلزلت المدينة ، واضطرب جيش الأعداء ، فطلبوا الصلح ، وكانت المعاهدة .
ولكنه لم يكد يرجع عنهم حتى نقضوا المعاهدة ، فعاد إليهم وصدمهم صدمة صدعت قلوبهم ، وكانت الهزيمة وفتحت بيكند ، وأصابوا فيها من الأسلحة والعُدد والأموال والكنوز ، ما لا يعلم عدده إلا الله ، وتولّى قسمتها ابن وألان العدوي ؛ وكان يسميه الأمين ابن الأمين .
واسمعوا هذا الخبر عن أخلاق أولئكم الجند ، لتعلموا أنهم غلبوا الأمم وفتحوا الأرض بهذه الأخلاق .
طلب أحد القوّاد من ابن وألان أن يحفظ له نصيبه من الغنائم . قال : ابعث به إلى مكان كذا فترى رجلاً فادفعه إليه ، وأنا أضمنه ، وانتظره ابن وألان ، فتأخّر ، فظنّ أنه عدل عن إيداعه فانصرف ، وجاء جندي من تغلب ، فلمّا وصل الرسول رآه فوضع المال وانصرف ، فلمّا لم ير الجندي أحداً ، أخذ المال إلى منزله ، واحتاج القائد إلى شيء من المال فطلبه من ابن وألان ، فقال : لم آخذ منك شيئاً ، قال : بل أخذته ، واختصما وشاع الخبر حتى بلغ الجندي فجاء يسأل القائد : وما مالك ؟ وما علا مته ؟
قال : علامته كذا ، قال : هو عندي . وجاء به فدفعه إليه لم تحل عقدة حزمه ، وأبى أن يأخذ منه شيئاً .
وكان الجندي فقيراً والمال خمسمئة ألف درهم أي نصف مليون ..
وتوجه الجيش إلى بخارى ، إلى البلد الذي استعصى من قبل على الفاتحين ، فلم يُقدر عليه . فكتب إلى الحجّاج ، فكتب إليه الحجّاج : صوّر لي صورة البلد ، فأرسل له مصوّرها . فقال : ائتِها من جهة كذا ، ورسم له الخطة وهو في العراق !
واجتمعت الترك من أقطارها ، وهجموا على جيش المسلمين حتى أزالوا الجناحين وصدموا القلب ، وبلغوا مصاف النساء وقتيبة ثابت ، يسأل : أين محمد بن واسع؟ .... وكان رجلاً يصحبه في غزواته .
قالوا هو هناك يدعو الله ويشير بإصبعه إلى السماء ، قال : لهذه الإصبع أحب إليَّ من مئة ألف سيف شهير ، جاء النصر . من يبايع على الموت ؟ من يبيع نفسه من الله ؟ ... فتقدّم كثيرون ، فاختار منهم ثمانمئة فدائي مؤمن ، كل واحد منهم بجيش ، لأنّ من أراد الموت لا يموت ، ومن استعان الله لا يغلبه بشر ، ومن نادى من قلبه (((الله أكبر))) لا يقوى عليه قوي ، ولا يكبر كبير ، وحملوا فكان الفتح .
وغدر نيزك ومن كان أطاع من الملوك وثاروا ، وجمعوا الجيوش ، ولكن قتيبة ضربهم ضربة قاصمة ، أطاحت برؤوسهم وأعادت البلاد إلى ظل راية محمد صلى الله عليه وسلم . ومشى ، مشى إلى الأمام حتى بلغ ما لم يبلغه قائد من قبل ، ولم يصل إليه فاتح ، مشى حتى فتح في عام واحد قطرين عظيمين : خجندة((خوارزم)) وَ ((سمرقند)) ، بعد معارك يشيب لها الولدان ، ثم مشى حتى دخل كأشغر أول بلاد الصين .
ولا أريد أن أصف الخاتمة المروّعة التي ختم بها جهاد هذا المجاهد ، والميتة الفاجعة التي ماتها هذا البطل ، والتي كانت إحدى الثمرات المريرة ، لهذه الغرسة الملعونة التي غرسها في تاريخنا معاوية رحمه الله .
فمن شاء فليقرأ الخبر في تاريخ الطبري ، والبلاذري وفي كل تاريخ .
وإني لأختمه بأغرب قصة في تاريخ الحروب في العالم . قصة لم يقع لأمة مثلها ولا أظن أنها ستقع لأمة .
لقد كان من قتيبة في فتح سمرقند المدينة العظيمة شيء من الغدر . كما قال الناس ، فلما كانت خلافة الخليفة الصالح عمر بن عبد العزيز ، رفع إليه أهل سمرقند ، دعوى على الجيش الإسلامي ، يدّعون فيها أنّ بلدهم فُتح غدراً . فأمر عمر بتأليف محكمة خاصة من قاض واحد لرؤية هذه الدعوى .
وجلس القاضي إلى سارية المسجد ، وأحضر المدّعين والمدّعى عليه ؛ القائد العام للجيش الإسلامي ، وسمع أقوالهما ثمّ أصدر حكماً يستطيع القضاء الإسلامي أن يفخر به على كل قضاء في الدنيا ، حكم ببطلان الفتح لأنّه كان غدراً ، ولأنّه خالف قواعد الإسلام في الحروب ، وبخروج الجيش الإسلامي منها . وإعطائها مهلة للاستعداد . ثمّ إعلان الحرب من جديد ، ونُفِّذ هذا الحكم الغريب وشرع الجيش بالانسحاب ، ولكنّ أهل البلد المدّعين ؛ الذين أدهشتهم هذه العدالة الإسلامية ، والذين ذاقوا نعمة الحكم الإسلامي في هذه السنين الطويلة ، عادوا يطلبون طوعاً واختياراً أن يبقوا تحت راية الإسلام .
بهذا الإيمان وهذه الأخلاق ، لا بسيوفنا ورماحنا فتحنا العالم ، وأفضنا عليه نور الإسلام .
وبمثل هذا الإيمان وهذه الأخلاق نستعيد فلسطين ، ونحرّر من الاستعمار كل بلد إسلامي ، ونكتب صفحة أمجادنا في التاريخ مرة أخرى إن شاء الله تعالى .

رحم الله القائد العظيم قتيبة بن مسلم الباهلي
وجزاه عن أمة الإسلام كل خير
وأعلى في الجنان منزلته


المصدر
كتاب رجال من التاريخ
للشيخ علي الطنطاوي رحمه الله

أبو يوسف
09-07-2009, 02:33 PM
أولئك أجدادي فجئني بمثلهم ..إذا جمعتنا يا جرير المجامع


.