المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : لماذا إخواننا المصريين حفظهم الله لا ينقطون الياء ؟؟؟


أبو يوسف
21-02-2015, 12:59 PM
بسم الله الرحمن الرحيم



-1-

لا خلاف بين العلماء في أن المصاحف في العصور الأُولى، وخصوصا المصاحف العثمانية، كانت خاليةً من الأمور التالية: النّقْط، والشّكْل، وعلامات الهمزة، وعلامات الوقف، وأرقام الآيات، ومواضع سجدات التلاوة، وأسماء السّوَر، والزخارف، وما شابه ذلك.

وقد أتاحت هذه الخاصية للمصاحف العثمانية أن تستوعب أوْجُهَ القراءات الصحيحة المعتمدة، المروية عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم).

كيف؟

لنتأمّل مثلا هذه الكتابة:

وٮوم ٮحسر اعدا اللـه
الى الٮار ڡهم ٮورعوں

إن الأمر يتعلق هنا بالآية 19 من سورة فُصّلت. وقد رُويت لنا بقراءتَيْن مختلفتين:
* (وَيَوْمَ [/b]يُحْشَرُ أعْداءُ اللهِ إلى النّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ)؛ وهي قراءة جميع القراء العشرة عدا نافعا ويعقوب (بصرف النظر هنا عمّا بينهم من اختلافات أدائية طفيفة).
* (وَيَوْمَ نَحْشُرُ أعْداءَ اللهِ إلى النّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ)؛ وهي قراءة الإمامين نافع ويعقوب (بصرف النظر هنا عمّا بينهما من اختلافات أدائية طفيفة).

ونحن نرى هنا أن طريقة الكتابة السابقة (المجردة من النقط والشكل) تحتمل كلتا القراءتين.

-2-

إن الحروف كلّها - بلا استثناء - كانت تُكتَب غير منقوطة، على الرغم من إمكانية حصول الالتباس بين بعضها، كالراء والزاي، وكالجيم والحاء والخاء، وكالصاد والضاد، وغير ذلك.

ومن هنا نستنتج أن كُلاّ من (الياء المتطرفة) و(ما يُسمّيه المُعاصرون "ألِفًا مقصورةً") كانا يُكتبان بِلا نُقَط : (ى)، شأنُهما في ذلك شأن سائر الحروف المتشابِهة الأخرى، وليست إمكانية حصول الالتباس بينهما بأكثر احتمالا من إمكانية حصول الالتباس بين الحروف المُشار إليها آنفًا.

ومن هنا لا أرى موجبا لسؤال أخينا الكريم:


فأخونا الكريم هنا يُقرّ بأن الحروف كانت في أول أمرها غيْرَ منقوطة، ثم يسأل: متى وُضعت صورة الياء (ى)؟ أقبْلَ النّقْط أمْ بعده؟

فلو قلنا: إنّها وُضعت بعد النقط، فإن هذا يؤدّي إلى طرح الإشكال التالي: وكيف كانت الياء المتطرفة تُرسم قبل هذا التاريخ؟

أنقول: إن الياء المتطرفة كانت لَها صورة أخرى (مُربّع أو مثلث أو دائرة على سبيل المثال)؟ هذا يحتاج منا إلى إثبات؛ وأنّى لَنا ذلك؟

أم نقول: إن العرب لم يكونوا يحتاجون أصْلاً إلى ياء متطرفة؟ هذا يُنافي طبيعة اللغة العربية.

إذن، لا مناص من الإقرار بأن وضع الصورة المذكورة كان قبل نَقْط الحروف؛ إذ لا شيء يُميّز الياء عن نظائرها من الحروف التي لم تكن منقوطة.

-3-

يشهد لِما سبق: وجود قراءتين للآية 105 من سورة الأعراف:
* (حَقِيقٌ عَلَى أن لاّ أَقُولَ عَلَى اللهِ إلاّ الحَقّ)؛ وهي قراءة جميع القراء العشرة غير نافع.
* (حَقِيقٌ عَلَيّ أَن لاّ أَقُولَ عَلَى اللهِ إلاّ الحَقّ)؛ وهي قراءة الإمام نافع.

فهذا يعني أن الآية كُتبت في الأصل هكذا:

حٯٮٯ على اں لا اٯول
على اللـه الا الحٯ

فلولا ان الياء المتطرفة لم تكن في الأصل منقوطة، لكانت قراءة نافع التي يقرأ بِها اليوم ملايين المسلمين في شمال غرب إفريقيا، من روايتَيْ قالون وورش عنه، مخالفةً لرسم المصاحف العثمانية.





-4-

يخلط كثير من الإخوة الأفاضل بين (الرسم العثماني) و(ضَبْط المصاحف)، مع أن الفرق بينهما شاسع:

فـ(الرسم العثماني) هو الطريقة الإملائية التي كُتبت بِها المصاحف في عهد عثمان بن عفان (رضي الله عنه)، والمقصود هنا: أجسام الحروف؛ لأن الكتابة العربية - كما قُلنا - كانت خاليةً من النّقْط والشّكْل وعلامات الهمْزة.

وأمّا نُقَط الحروف وعلامات الهمزة وعلامات الشكل والمدّ وما شابَه ذلك، فكُلّها تدخل في اصطلاحات (علم الضبط)، وهي اصطلاحات اجتهادية قد تختلف فيها مذاهب العلماء.

علماء الضبط المغاربة مثلا يضعون الفتحتين فوق الألف، في نحو: (عَلِيماً) و(هُدىً). أمّا المشارقة فيضعون الفتحتين فوق الحرف المُنَوّن نفسِه: (عَلِيمًا) و(هُدًى). فهل نقول: إن هؤلاء أو أولئك مخالفون للرسم العثماني؟ كلاّ؛ لأن الرسم العثماني لا علاقة له بعلامات الشكل أصْلاً.

وقد يستعمل بعض العلماء مصطلح (الرسم) أو (الخط)، ويقصد به (الرسم) و(الضبط) مجتمعَيْن، من باب المَجاز لا غير. وهو ما فعله أخونا عطوان، حين قال:
. وتأخر نقط بعضها كالياء المتطرفة أو لم تنقط كما هو عند المصريين، وهو ما عليه رسم المصحف عند المشارقة.
أما المغاربة فكانوا لا ينقطون أربعة أحرف إذا جاءت متطرفة وهي حروف (ينفق)...

وقد عقّب عليه أخونا عثمان بقوله:
أما المصاحف فهي في جملتها مرسومة بالرسم العثماني.


فكأنه يرى أن اتّباع الرسم العثماني هو سبب عدم نَقط الياء في المصاحف. وهذا ليس صحيحا؛ لأن الرسم العثماني - كما قلنا - لا علاقة له بنَقْط الحروف.

فحتى لو كتبنا مصحفا، ونقطنا فيه الياءات المتطرفة، فإننا لا نكون قد خالفنا الرسم العثماني؛ بل كلّ ما في الأمر أننا نكون قد خالفنا اصطلاحا اجتهاديا أجمع عليه علماء الضبط المغاربة والمشارقة.

بل حتى لو فرضنا جدلا أننا نقطنا الياء خمس نُقط، أو نقطنا الزاي نقطتين، فإننا لا نكون قد خالفنا الرسم العثماني، وإنّما نكون قد ابتدعنا طريقة غريبة في الضبط ما سبقنا بِها من أحد من العالمين.

إذَنْ، متى نكون قد خالفنا الرسم العثماني؟

حين نغيّر أجسام الحروف المرسومة في المصاحف العثمانية، كأن نكتب (الرّحْمَان) بالألف، أو نكتب (مِئَة) بغير ألف، أو نكتب (الصلاة) بالألف لا بالواو، أو نكتب (امرأة نوح) بالتاء المربوطة، أو نكتب (حَقِيقٌ عَلَى ألاّ أقُولَ) بإدغام (أنْ) في (لا)، أو ما شابه ذلك؛ عِلمًا أن هذه الامثلة كُتبت في المصاحف العثمانية هكذا:

الرحمں * ماٮه * الصلوه *
امراٮ ٮوح * حٯٮٯ على اں لا

(يُتبع)



سعيد بنعيـــــــــــــــــاد

أبو يوسف
21-02-2015, 01:00 PM
-5-

قلنا: إن الاجتهادات المتعلقة بـ(ضبط المصاحف) قد تختلف فيها مذاهب العلماء.

وفي هذا الإطار، نجد في باب (نَقْط الحروف) اختلافات بين علماء الضبط المغاربة وعلماء الضبط المشارقة، أهمّها:

* أنّ المشارقة ينقُطون (الفاء) نُقطةً مِن فوق، وينقطون (القاف) نُقطتين مِن فوق، وينقُطون (الفاء والقاف والنون ولو تطرّفْنَ)، ولا ينقطون (الياء المتطرفة)؛ نحو:

نَفَقَةً * يُوسُفُ * صَدَقَ *
الدِّينِ * وَلِتَجْرِىَ

* وأمّا المغاربة، فينقُطون (الفاء غير المتطرفة) نُقطةً مِن تحت، وينقُطون (القاف غير المتطرفة) نُقطةً واحدة مِن فوق، ولا ينقطون (الفاء والقاف والنون والياء إذا تطرّفْنَ)؛ نحو:

نَڢَڧَة * يُوسُڡُ * صَدَٯَ *
الدِّيـںٍ * وَلِتَجْرِىَ


وبُمكن البحث في الشبكة عن مصاحف مغربية مصوّرة، للتحقق من ذلك.

وقد كان المغاربة (وأعني هنا: سكان شمال غرب إفريقيا) يلتزمون هذه الطريقة حتى في كتابتهم العادية. أمّا اليوم، بعد ظهور ألات الطباعة التي لَم تكن في أول أمرها تُصنّع محليّا، واضطرار الحكومات بعد الاستقلال إلى استقدام أساتذة مشارقة لإنجاح خُطّة التعريب، وانتشار التعليم الحديث، فإن استعمال الطريقة المغربية المذكورة بات منحصرا في كتابة المصاحف، وصار كثير من المغاربة أنفسهم يجهلونَها ويستغربون طريقة ضبط المصاحف المطبوعة في بلدانِهم.

وبِهذا نكون قد أجبنا على تعقيب أخينا عثمان:
المغاربة الآن يا أخي كتابتهم تتفق كليًا مع كتابة باقي العرب وأراهم ينقطون ما حقه النقط ...
وبصراحة، أول مرة أعرف أنهم يكتبون الكلمات التي ذكرت بهذه الطريقة.


(يُتبَع)

أبو يوسف
21-02-2015, 01:07 PM
-6-


يُفهم مِمّا سبق أن علماء ضبط المصاحف الشريفة، مغاربةً ومشارقةً، كانوا مجمعين على عدم نَقْط الياء المتطرفة. وأمّا نَقْطُها في غير المصاحف، فقد ظهر في عصر متأخر، كما أشار إلى ذلك أستاذنا عطوان. وحينئذٍ ظهرت تسمية (الألف المقصورة) التي كان يُسمّيها القدماء (ألِفًا على صُورة الياء). وهذه التسمية في حدّ ذاتِها تؤكد القول إن الرمز (ى) وُضع في الأصل للياء.

أما تسمية (الألف المقصورة) عند القدماء، فيدخل فيه نحوُ (الفتى) و(العصا)، من الأسماء المُعرَبة المختومة بألف لازمة ليس بعدها همزة، سواء أرُسمت قائمةً (ا) أمْ على صورة الياء (ى)؛ وذلك في مقابل (الألف الممدودة) في نحو (صحراء).

وتبقى مسألة نَقْط الياء المتطرفة - كما قال الأستاذ عطوان - مجرد اصطلاح لا ينبغي أن يُخطّئ فيه بعضُنا بعضا، وإن كنتُ أفضّل نَقْطَها، خصوصا في هذا العصر الذي بلغ فيه اللّحنُ ذِرْوتَهُ.

ومن الطرائف التي تُروى في هذا الباب أن أحد المسؤولين كان يتهجّى خُطبةً أُعِدّت له سلفًا، فإذا به يقرأ: (كما أشكُر المواطن عَلِي حَسَن سَلّوكَة)، ثم رفع رأسه ليسأل عن هذا المواطن المُخلِص الصالح، وإنّما هي (... على حُسْنِ سُلُوكِهِ) :) .
{هذه صورة لصفحة
من المصحف الحسني المغربي،
برواية ورش عن نافع:}

http://www7.0zz0.com/2015/02/21/15/301726105.jpg

وهذه صورة لصفحة من مصحف المدينة المنورة برواية ورش عن نافع المدني، لعل خطها أوضح للمشارقة.
http://www7.0zz0.com/2015/02/21/15/430500944.jpg

وآخر دعوانا
أن الحمد لله رب العالمين

أبو يوسف
21-02-2015, 01:10 PM
هذا الشريط الذي يقرأ فيه الشيخ مشاري العفاسي سورة الليل برواية خَلَف عن حمزة:


https://www.youtube.com/watch?v=qFSoL9s6gqw#t=15

فرح صالحي
21-02-2015, 01:48 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزاك الله خيرا كثيرا ونفع بك
موفق بإذن الله :abc_152:... لك مني أجمل تحية .

الهمام
21-02-2015, 06:06 PM
شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .