المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ضبط المصحف [2] : الرسم والخط والضبط والرواية /سعيد بنعياد


أبو يوسف
20-02-2015, 05:46 PM
بسم الله الرحمن الرحيم




الحلقة الثانية
الرسم والخط والضبط والرواية

حين ينوي خطاطٌ شهير، أو لجنةٌ متخصصة في طباعة المصاحف، كتابةَ مصحف ما، لا بد قبل كل شيء من الإجابة بوضوح عن مجموعة من الأسئلة، أهَمُّها:
1- بأي رسم سيُكتَبُ هذا المصحف؟
2- وبأيّ خط من الخطوط العربية المعروفة؟
3- ووفق أي رواية سيُضْبَط؟
4- وما المذهب الذي سيُعتَمَد في ضبطه؟
5- وما المذهب الذي سيُعتَمَد في تحديد مواضع الوقف؟
6- وما المذهب الذي سيُعتَمَد في عَدِّ الآيِ؟
7- وما المذهبُ الفقهي الذي سيُعتَمَد في تحديد مواضع سجود التلاوة؟

إن هذه الأسئلة – في الغالب – غيرُ متلازمة فيما بينها. فإذا أجَبْنا بطريقة معيَّنة عن واحد منها، فهذا لا يعني أن إجابات الأسئلة الأخرى أصبحت محسومة.

غير أن أذهاننا اعتادت الربطَ بين هذه الأسئلة؛ وهذا ما يؤدي إلى كثير من الاعتقادات الخاطئة.

ولْنَكْتَفِ الآن بمثال توضيحي واحد:

بعضُ الإخوة يتصفح مصحفا مطبوعا في المغرب على رواية ورش، فلا يجد علامة للسجدة في آخر سورة العلق (وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ)، فيطرح سؤاله البريء: (لماذا لا يسجُد ورشٌ في آخر سورة العلق؟).

فربما يُضحِك سؤالُه هذا بعضَ أهلِ العلم؛ لأن وَرْشًا لا ناقةَ له في قضية (سجود التلاوة) ولا جَمَلَ. فهذه المسألة من اختصاص المذاهب الفقهية، وليست من اختصاص أئمة القراءات.

وكُلُّ الذي حصل: أن المصحف طُبِع في المغرب، والمذهب الرسمي للمغرب هو المذهب المالكي، الذي لا يرى السجود في هذا الموضع؛ فلذلك لم يضعوا فيه علامة للسجود. وأما كونُ المصحف برواية ورش، فهذا من باب الاتِّفاق، لا أقلَّ ولا أكثر.

وسننتقل الآن إلى تفصيل المسائل الأربعة الأولى (الرسم، والخط، والرواية، والضبط). أما المسائل الثلاثة الأخرى (الوقف، وعَدُّ الآي، وسجود التلاوة)، فنُرجِئُ الحديث عنها إلى مناسبات لاحقة بإذن الله تعالى.

-1-
الرسم


ويُقصد به: الطريقة الإملائية المعتمدة في كتابة الكلمات.

ونحن هنا أمام رَسْمَيْن أو ثلاثة:

1- (الرسم الإملائي)، وهو المعتمد في الكتابة العادية.

2- و(رسم المصحف) أو (الرسم العثماني)، وهو الذي اعتُمِد في كتابة المصاحف في عهد عثمان بن عفان (رضي الله عنه). وهذا النوع خاص بالقرآن الكريم، فلا يُمكن أن نقول مثلا: (سأكتُبُ قصيدةً أو نصًّا عاديًّا بالرسم العثماني).

3- وأما الرسم الثالث، فهو (الرسم العَرُوضي). وهذا لا يعنينا هنا. والمقصود به: الكتابة الصوتية للأبيات الشعرية، بغرض تقطيعها ومعرفة بُحورِها.

فقول أبي الأسود الدؤلي مثلا [من الكامل]:
يا أيها الرجل المُعَلِّمُ غَيْرَهُ **
هَلاَّ لِنفْسِكَ كانَ ذا التعليمُ
يُكتب هكذا:
يَا أَيْيُهَرْ / رَجُلُلْمُعَلْـ / لِمُغَيْرَهُو
هَلْلَا لِنَفْـ / سِكَكَانَذَتْـ / تَعْلِيمُو

ثم يُقطَّع هكذا:
مُتْفاعِلُنْ / مُتَفاعِلُنْ / مُتَفاعِلُنْ
مُتْفاعِلُنْ / مُتَفاعِلُنْ / مُتْفاعِلْ

وأغلب المصاحف المتداولة اليوم، في المشرق والمغرب، وبجميع الروايات المشهورة، تعتمد الرسم العثماني.

ومعنى هذا: أنها لا تُغيِّر أجسام الحروف المُثْبَتة في المصاحف العثمانية؛ فلا تكتُبُ (الرحمان) مثلا بالألف، ولا تكتب (مِئَة) بغير ألف، ولا تكتب (الصلاة) بالألف بل بالواو، ولا تكتب (امرأة نوح) بالتاء المربوطة، ولا تكتب (حَقِيقٌ عَلَى أَلاَّ أَقُولَ) بإدغام (أنْ) في (لا).

ذلك لأن هذه الأمثلة كُتبت في المصاحف العثمانية هكذا:

الرحمں * ماٮه * الصلوه *
امراٮ ٮوح * حٯٮٯ على اں لا


أما إضافة علامات النَّقْط والشَّكْل والهمزات، فلا يُعَدُّ تغييرا للرسم العثماني؛ لأن هذه المسائل تدخل في (علم الضبط)، لا في (علم الرسم).

وقد وضع العلماء مصنفات عديدة، جمعوا فيها الفروق بين (الرسم العثماني) و(الرسم الإملائي القياسي). فيُرجَع إليها عند إرادة كتابة المصحف؛ للتحقُّق من طريقة كتابة كل كلمة من كلمات القرآن الكريم.

نعم؛ توجد مصاحف مخطوطة، كتبها بعض الخطاطين المشهورين، تعتمد الرسم الإملائي. وهذه لا تعنينا في بحثنا هذا.

ملحوظة: قد يُسمَّى الرسمُ أيضا (الخَطّ)، فيقال (خَط المصحف). ولا مُشاحَّة في الاصطلاح.

-2-
الخط


ويُقصد به: الشكل الهندسي الجمالي للحروف.

وهذا فن معروف، يؤخذ من الخطاطين المشتغلين بالخط العربي الأصيل.

والذي يعنينا هنا: وجود عدة أنواع من الخطوط العربية الأصيلة، أهمها: النَّسْخ، والثُّلُث، والفارسي، والديواني، والجَلِيُّ الديواني، والرِّقْعة، والإجازة، والكوفي، والمغربي.

وأغلب المصاحف المطبوعة في المشرق تعتمد (خط النَّسْخ)؛ وهذا نموذج لذلك:


http://www14.0zz0.com/2015/02/20/19/625775107.jpg

وأغلب المصاحف المطبوعة في المغرب تعتمد (الخط المغربي) [وتوجد عدة أنواع منه]؛ وهذا نموذج لذلك:


http://www14.0zz0.com/2015/02/20/19/946632368.jpg




ومرة أخرى نؤكد أنه لا تلازُمَ بين الرواية المختارة والخط المعتمد؛ فليس ضروريا أن يكون مصحف حفص بخط النسخ، ومصحف ورش بالخط المغربي، وإنَّما المسألة مُجَرَّدُ اتفاق، لا أقل ولا أكثر.

ملحوظة: قد يُسمّى الخطُّ أيضا (الَقلَم)، فيُقال: (قَلَم النسخ) و(قلَم الثلث)، وما شابه ذلك. ولا مُشاحَّةَ في الاصطلاح.

-3-
الرواية

ويُقصد بها: طريقة القراءة المنقولة بالأسانيد الثابتة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

وهذا أيضا علم مستقل، يؤخذ من أفواه الشيوخ العارفين بالقراءات.

والذي يعنينا هنا: أن العلماء صنفوا عدة كتب في القراءات القرآنية، وتلَقَّوْا كل قراءة منها عَرْضًا وسَماعًا بالسند المتصل إلى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم).

وقد استقر العمل عندهم على الأخذ بقراءات القراء العشرة الآتية أسماؤهم:
1- نافع المدني (من روايتَيْ قالُون ووَرْش).
2- ابن كثير المكي (من روايتَي البَزِّي وقُنْبُل).
3- أبو عمرو البصري َ(من روايتَي الدُّورِي والسُّوسي).
4- ابن عامر الشامي (من روايتَيْ هشام وابن ذَكْوان).
5- عاصم الكوفي (من روايتَيْ حَفْص وشُعْبة).
6- حمزة الكوفي (من روايتَيْ خَلَف وخَلاَّد).
7- الكِسائي الكوفي (من روايتَي اللَّيْث والدُّوري).
8- أبو جعفر المَدَني (من روايتَي ابن وَرْدان وابن جَمَّاز).
9- يعقوب البصري (من روايتَيْ رُوَيْس ورَوْح).
10- خَلَف الكوفي (من روايتَيْ إسحاق وإدريس).

(تُنظَر تراجمُهم هـنـا (http://www.ibnamin.com/tarajem_qura.htm)).

فـالقراءاتُ المعتمدة عَشْرٌ (وبعضهم يقتصر على السَّبْعِ الأولى)، والروايات عشرون.

هذا عند العلماء المتخصصين في الميدان.

أما على المستوى الشعبي، فتنتشر في عصرنا هذا أربع روايات (المصدر: هـنـا (http://www.ibnamin.com/recitations_current_places.htm)):

1- رواية حفص عن عاصم، في المشرق الإسلامي وأغلب بلدان العالم.
2- رواية وَرْش عن نافع، في المغرب والجزائر وموريتانيا وبلدان غرب إفريقيا وبعض نواحي مصر وليبيا وتشاد وتونس.
3- رواية قالُون عن نافع، في ليبيا وأكثر مناطق تونس.
4- رواية الدُّوري عن أبي عمرو، في الصومال، والسودان، وتشاد، ونيجيريا، وأواسط إفريقيا.

ومن عادة المصنفين في القراءات، وهذه عادة يُقصد منها الاختصار، أنهم لا يذكرون القارئ باسمه إلا عند اتفاق راوِيَيْهِ؛ فإن لم يتَّفقا ذكروا أحدَ الراويَيْن أو كِلَيْْهما.

وعلى سبيل المثال، في قوله تعالى في سورة المدثر: (والرجْزَ فاهْجُرْ)، يقولون: (قرأ أبو جعفر ويعقوب وحفص: (وَالرُّجْزَ) بضم الراء، وقرأ الباقون: (وَالرِّجْزَ) بكسرها).

فيذكرون القارئ أبا جعفر باسمه؛ لأن راوِيَيْهِ (ابنَ وَرْدان وابنَ جَمَّاز) متفقان على ضم الراء.

وكذلك يذكرون القارئ يعقوب باسمه؛ لأن راوِيَيْهِ (رُوَيْسًا ورَوْحًا) متفقان على ضم الراء.

ولكنهم لا يذكرون القارئ عاصمًا باسمه؛ بل يذكرون راويَهُ حفصًا فقط، لأنه هو الذي قرأ بضم الراء. أما الراوي الثاني (وهو شعبة) فيدخُل في (الباقين) الذين قرؤوا بكسر الراء.

وقِس على ذلك.

وهذا لُغْزٌ طريف، ابتكرتُهُ بغرض الترويح عن النفس، وهو ينتظر إجاباتكم :) :

لنفترض أن القراء العشرة اجتمعوا في غرفة واحدة، وحضر مع كل قارئٍ راوِياهُ، ولم يدخُلِ الغُرفةَ أحَدٌ غيرُ هؤلاء القراء والرواة. فكَمْ شخصًا سيكون لدَيْنا داخل الغرفة؟ :)

يُرجَى التثبُّت قبل الإجابة :) :) :)

ملحوظة: الاختلاف بين هذه الروايات هو اختلافُ تَنَوُّعٍ، وليس اختلافَ تَضَادٍّ. فكُلُّها صحيحة السند إلى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم).

ولَسْنا هنا بصدد البرهنة على هذه المسألة؛ لأن الخوض فيها يُخرِجنا عن موضوع بحثنا.

-4-
الضبط

ويُقصد به: وضع العلامات الضرورية التي تُرشد القارئ إلى النطق السليم، كنُقَط الإعجام، وعلامات الشكل، وعلامة الهمزة، وكيفية ضبط الأحكام التجويدية المختلفة.

وهذه العلامات مصطلحات اجتهادية، قد تختلف فيها مذاهب العلماء.

وفي كثير من الأحيان، يُمَيَّز هنا بين مذهبين: مذهب المغاربة (ويُقصَد بالمغاربة: علماء الأندلس وشمال غرب إفريقيا)، ومذهب المشارقة



ونؤكد مرة أخرى عدَمَ التلازُم بين الرواية والمذهب المعتمد في الضبط. فمن الممكن ضبطُ مُصحف حفصي بطريقة المغاربة، ومن الممكن أيضا ضبطُ مصحف ورشي بطريقة المشارقة.

دمتم بكل خير.








سعيـــــــــد بنعيــــــــــــــــــاد

فرح صالحي
20-02-2015, 09:31 PM
((خيركم من تعلم القرآن وعلمه)).
جزاك الله خيرا كثيرا ونفع بك
موفق بإذن الله ..:abc_152:. لك مني أجمل تحية .

الهمام
21-02-2015, 06:02 PM
شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .