تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : كلمة أنا قراءة وشعرا


أبو يوسف
05-11-2014, 06:33 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

فائدة عظيمة وموضوع شامل فيه الفائدة إن شاء الله نقلته من مشاركة للأخ سعيد بنعياد في شبكة الفصيح لعلوم اللغة العربية



أثار بعض الإخوة الأفاضل في منتدى (الإبداع) مسألة تتعلق بحذف ألف (أنا) وإثباتِها في التقطيع العروضي


كلمة (أنا) قراءةً وشِعرًا


بسم الله الرحمن الرحيم

من الكلمات التي ينبغي التوقف عندها، عند تقطيع الأبيات الشعرية: كلمة (أنَا)، الدالة على المفرد المتكلم، ذكرًا كان أم أنثى.

فهذه الكلمة تتألف مبدئيا من (همزة مفتوحة) و(نون مفتوحة) و(ألف ليّنة).

ولكن لها في النطق حكما خاصا.

-1-
كيف كان العرب ينطقون كلمة (أنَا)؟

يُميَّز هنا بين حالتي الوقف والوصل:

أوّلا: عند الوقف عليها، ينبغي النطق بالألف اللينة؛ هكذا: [أَنَا]. هذا هو المشهور عن العرب. وورد عن بعض طَيِّئٍ أنَّهم كانوا يُبدلون الألف هاءً ساكنة: [أَنَهْ].

ثانيا: عند وصلها بما بعدها، يتعين التمييز بين حالتين:

1- إذا وقع بعدها حرف ساكن، فمن الطبيعي ألاَّ تلفظ الألف، لئلاَّ يلتقي ساكنان. ومثال ذلك: (أنـا الْـقائلُ)؛ تُلفظ: [أَنَـلْقائِلُ].

وهذا الحكم ليس مقصورا على ألف (أنا)؛ بل هو شامل لكل حروف المد المتطرفة، إذا وقع بعدها حرف ساكن من كلمة أخرى؛ نحو: (دخلنـا الْـبيت) (افتحُـوا الـباب) (احفظـي الـدَّرسَ [دَّ = دْ + دَ]). فحروف المد هذه لا تُلفظ، كما هو معلوم.

2- إذا وقع بعدها حرف متحرك، كما في (أنـا قُـلْتُ)، فللعرب فيها مذهبان:
* أكثر العرب هنا كانوا لا ينطقون الألف، بل ينتقلون مباشرة من النون المفتوحة إلى أول حروف الكلمة التالية (من غير مدّ)؛ هكذا: [أَنَــقُلْتُ].
* وقلّة من العرب كانوا ينطقون الألف؛ هكذا: [أَنَا قُلْتُ].

-2-
كيف تُرسم هذه الكلمة إملائيا؟

يقولون: (الرسم: تصويرالكلمة بحروف هجائها، بتقدير الابتداء بها والوقف عليها).

فنحن حين نكتب الكلمة ننظر إليها مجردة مما قبلها ومما بعدها، أي: نتصور أننا بدأنا بها، ثم وقفنا عليها.

وعلى هذا، فإننا نكتب: (أَنَا)، بالألف في آخرها؛ لأن هذه الألف تُلفظ في الوقف يقينا، بصرف النظر عن إثباتها أو عدم إثباتها في الوصل.

-3-
ما قول النحويين في هذه الكلمة؟

1- يرى البصريون أن الضمير هنا هو (أَنَ) فقط، من غير ألف، وأن الألف مجرد حرف يُزاد في الوقف لبيان حركة النون، مثلما تُزاد هاء السكت في نحو: (بِمَهْ ؟) و(لِمَهْ ؟). فمَن حذف الألف في الوصل، فقد جرى على الأصل. ومن أثبتها فيه، فقد أجرى الوصل مجرى الوقف.

2- ويرى الكوفيون أن الضمير هنا هو (أنَا) بكمالها، وأن الألف هنا مِن بنية الكلمة، وليست زائدة. فمن أثبتها في الوصل فقد جرى على الأصل. ومن حذفها فيه، فإنما فعل ذلك تخفيفا، واستغناءً عنها بفتحة النون.

-4-
ما حكم قراء القرآن الكريم في هذه الكلمة؟

يُميَّز هنا بين حالتي الوقف والوصل:

أوّلا : عند الوقف عليها، نجد القراء العشرة مُجمعين على نُطق الألف؛ هكذا: [أَنَا].

ثانيا : عند وصلها بما بعدها، يتعين التمييز بين حالتين:

1- إذا وقع بعدها حرف ساكن، نجدهم مُجمعين على حذف الألف لفظا، لئلاَّ يلتقي ساكنان. ومن أمثلة ذلك : (وَأَنَا الـتَّـوَّابُ الرَّحِيمُ) [البقرة: 160]، (وَأَنَا اخْـتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى) [طه: 13].

2- إذا وقع بعدها حرف متحرك، نجدهم ينظرون إلى طبيعة هذا الحرف، أهمزةٌ هُوَ أمْ حرفٌ آخر:

* فإن كان حرفا غير الهمزة، رأيناهم مجمعين على حذف ألف (أنَا) قبله. ومن أمثلة ذلك: (قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَــعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ) [آل عمران: 81]، (وَلاَ أَنَا عَـابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ) [الكافرون: 4]؛ تُلفظ في جميع القراءات: [وَأَنَــمَعَكُمْ] [وَلاَ أَنَــعَابِدٌ].

* وإنْ كان همزة مكسورة، رأيناهم يكادون يُجمعون على حذف الألف أيضا؛ إلا في رواية قالون عن نافع، فإنه ورد عنه الوجهان: الإثبات (وهنا يختلف مقدار المد المنفصل عنده باختلاف طُرُق روايته) والحذف. ومن أمثلة ذلك: (إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ) [الأعراف: 188].

* وإن كان همزة مفتوحة أو مضمومة، وجب إثبات الألف في قراءَتَيْ نافع وأبي جعفر المَدَنِيَّيْن فقط (وهنا يُرجَع إلى مذاهبهما في مقدار المد المنفصل)، ووجب حذفُها في سائر القراءات الأخرى. ومن أمثلة ذلك: (وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) [الأنعام: 163]، (قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ) [البقرة: 258].

وقد وجَّهوا إثباتَها مع الهمزة بكون الهمزة أبْيَنَ بعد الألف. ووجهوا استثناء الهمزة المكسورة - عند من استثناها - باستثقال الكسرة بعد الألف. والله أعلم.

-5-
ماذا نستنتج مما سبق؟

نستنتج مما سبق: أننا مُطالبون في كلامنا العادي بإثبات ألف (أنا) عند الوقف عليها، وبحذفها عند وصلها بحرف ساكن.

أما عند وصلها بحرف متحرك، فنحن مُخيَّرون بين إثبات الألف وحذفها، بصرف النظر عن طبيعة هذا الحرف.

والأفصح: أن تُحذَف عند وصلها بحرف متحرك، مراعاة للغة أكثر العرب، وقراءة أكثر القراء.

غير أن الإثبات هنا جائز أيضا. ومن الإجحاف أن نصفه بالضعف والقبح والرداءة، كما ذهب إليه بعض النحويين. وكيف يكون كذلك، وقد ثبت له نظير في قراءة أهل المدينة المنورة؟!

-6-
وماذا عن ألف (أنا) في الشعر؟

هنا أيضا يُميّز بين حالتين:

أوّلا: إذا وقعت في آخر أحد الشطرَيْن (الصَّدْر أو العَجُز)، تكون حينئذ في موضع وقف، فيتعين إثبات ألفها لفظا. وهذه أمثلة لذلك:

- يقول المتنبي [من الكامل]:
فاغفِرْ - فِدًى لكَ - واحْبُني مِن بَعدِها **
** لِتَخُصَّني بعَطِيّةٍ منها أنا

- ويقول أبو سجادة الفقيه، في شعر ظريف له [من المتقارب]:
ومِنَّا الوزيرُ ومِنّا الأميرُ **
** ومِنّا المُشِيرُ ومِنّا أنا

- ومن أمثلة وقوعها في آخر الصدر مطلع قصيدة القرضاوي، التي سنختم بها موضوعنا هذا.

ثانيا: إذا وقعت في حشو البيت، وجب التمييز بين حالتين:

1- إذا وقع بعدها حرف ساكن، فمن الطبيعي هنا ألاَّ تُلفظ الألف، لئلاّ يلتقي ساكنان. وهذه أمثلة لذلك:

- يقول سُحَيْمُ بنُ وَثِيلٍ الرِّياحِيّ [من الوافر]:
أنا ابنُ جَلاَ وطَلاَّعُ الثَّنايا **
** متى أَضَعِ العِمامةَ تَعرِفوني

- ويقول حافظ إبراهيم، على لسان اللغة العربية [من الطويل]:
أَنَا الْبَحرُ في أحشائه الدُّرُّ كامِنٌ **
** فهلْ سألوا الغَوّاصَ عن صَدَفاتي

- ويقول المتنبي [من البسيط]:
أنا الَّذي نَظَرَ الأعمى إلى أدَبي **
** وأسْمَعَتْ كَلِماتي مَن به صَمَمُ

2- إذا وقع بعدها حرف متحرك، فإن إثبات الألف وحذفها يتوقف هنا على ما يقتضيه الوزن الشعري.

* فأحيانا يتعيّن إثبات الألف، كما في الأمثلة الآتية:

- يقول حُمَيْدٌ الكَلْبي [من الوافر]:
أَنا سَيْفُ العَشيرةِ ، فاعْرفوني **
** جميعًا ، قد تَذَرَّيْتُ السَّنامَا

- ويقول العَدِيل [من الوافر]:
أنا عِدْلُ الطِّعانِ لمن يُعانى **
** أنا العِدْلُ المُبيَّنُ فاعرفوني

- ويقول الأعشى [من المتقارب]:
فكيف أنا وانتحالي القَوَافِـ **
** ـيَ بعدَ المَشِيبِ؟ كفى ذاك عارا

- ويقول ابن عُنَيْنٍ [من الكامل]:
وأنا وشِعْري ؛ كمْ يُعنِّفُني الوَرى **
** فيهِ ، فلا أُصْغي إِلى التعنيفِ

- ويقول أبو النَّجْم العِجْلي [من الرَّجَز]:
أنا أبو النَّجْمِ وشِعْري شِعْري
لله دَرِّي ، ما أجَنَّ صدْري !
(الحقّ أنه يجوز في هذا البيت حذفها أيضا، لأن (مُسْتَفْعِلُنْ) يمكن أن يَلْحَقها الخَبَل (مُتَعِلُنْ)، وإن كان هذا قبيحا)

* وأحيانا يتعيّن حذفها، كما في الأمثلة الآتية:

- يقول طرَفة [من الطويل]:
ولكنّ مَولايَ امْرُؤٌ هُوَ خانِقي **
** على الشُّكرِ والتَّسْآلِ أَوْ أَنا مُفْتَدِ

- ويقول طرفة أيضا [من الطويل]:
فَإِنْ مُِتُّ فانْعَيْني بما أَنا أَهْلُهُ **
** وشُقّي عليَّ الجَيْبَ يَا ابْنةَ مَعْبَدِ

- ويقول دُرَيْدُ بنُ الصِّمّة [من الطويل]:
وهَلْ أَنا إِلا مِن غَزِيَّةَ، إِنْ غَوَتْ **
** غَوَيْتُ، وإِنْ تَرْشُدْ غَزِيَّةُ أَرْشُدِ

- ويقول معاوية بن أبي سفيان [من الطويل]:
إذا أنا أعطيتُ القليلَ شكوتُمُ **
** وإنْ أنا أعطيتُ الكثيرَ فَلا شكْرُ !

- ويقول المعرّي [من الطويل]:
ألاَ في سبيلِ المَجْدِ ما أنا فاعِلُ **
** عَفافٌ وإقدامٌ وحَزمٌ ونائِلُ

- ويقول المعري أيضا [من الطويل]:
يَهُمُّ الليالي بَعضُ ما أنا مُضمرٌ **
** ويُثقِلُ رَضْوىَ دُون ما أنا حاملُ

- ويقول ابن عُنَيْن [من الكامل]:
أنا وابنُ شيثِ في الخِيَامِ زيادةٌ **
** وابنُ النّفيسِ، وذا المُلِقُّ الصُّوفي

- ويقول المتنبي [من الكامل]:
أَنا مِنكَ بَينَ فَضائِلٍ وَمَكارِمِ **
** وَمِنِ ارْتِياحِكَ في غَمامٍ دائِمِ

- ويقول قيس بن المُلوَّح [من الوافر]:
ألَيْس وعَدْتَني يا قلبُ أنّي **
** إذا ما تُبْتُ عن ليلَى تَتُوبُ؟!
فها أنا تائِبٌ عن حُبِّ ليلَى **
** فما لكَ كُلَّما ذُكِرَتْ تَذُوبُ ؟!

-7-
ملحوظة عَرُوضية

قد يؤدي عدم النطق الصحيح للكلمة أحيانا إلى الخروج من بحر إلى بحر آخر.

فمثلا: في قصيدة القرضاوي، الآتي ذِكرُها قريبا:
أنا من جنودِ اللهِ حِزبِ مُحمَّدِ

الألف هنا لا تُلفظ؛ لأن القصيدة من (الكامل):
أَنَ مِنْ جُنُو / دِ لْلَاهِ حِزْ / بِ مُحَمَّدِي
مُتَفاعِلُنْ / مُتْفاعِلُنْ / مُتَفاعِلُنْ

فلو لفظنا الألف، لصار هذا الشطر من (الطويل).
أَنَا مِنْ / جُنُودِ لْلَا / هِ حِزْبِ / مُحَمَّدِي
فَعُولُنْ / مَفاعيلُنْ / فَعُولُ / مَفاعِلُنْ

-8-
نص شعري تطبيقي

هذه قصيدة شهيرة للشيخ القرضاوي، تكررت فيها كلمة (أنا) عدة مرات.

فتارة ينبغي إثبات ألفها (وهذه ملوّنة بالأخضر)، وتارة ينبغي حذفها (وهذه ملونة بالأحمر)، بحسب ما يقتضيه الوزن الشعري.

يقول الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي [من الكامل]:

أنا إنْ سألْتَ القومَ عني مَن أنا؟ **
** أنا مؤمنٌ سأعيش دوماً مؤمنَا
فليَعْلَمِ الفُجَّارُ أني ها هُنا **
** لن أنحني، لن أنثني، لن أركَنَا
* * * * *
إني عرَفتُ اللهَ في أكوانهِ **
** وسمعتُ صوتَ الحقِّ في قُرآنهِ
ولمَستُ حِكمتَه وفيْضَ حَنانهِ **
** في سيرة المُختارِ، في إيمانهِ
* * * * *
أنا مُسلمٌ. هل تعرفون المُسْلما؟ **
** أنا نُورُ هذا الكونِ إنْ هو أظْلَما
أنا في الخليقةِ رَيُّ مَن يشكو الظَّما **
** وإذا دعا الداعي أنا حامي الحِمى
* * * * *
أنا مصحفٌ يمشي، وإسلامٌ يُرَى **
** أنا نفحةٌ عُلْوِيّةٌ فوق الثَّرى
الكونُ لي، ولخدمتي قد سُخِّرا **
** ولمن أنا؟ أنا للذي خلَق الوَرى
* * * * *
أنا من جنودِ اللهِ حِزبِ مُحمَّدِ **
** وبغيرِ هَدْيِ مُحمدٍ لا أهتدي
حاشايَِ أن أُصْغي لدعوةِ مُلْحِدِ **
** وأنا فتى القرآنِ وابنُ المسجدِ
* * * * *
أنا كوكبٌ يهدي القوافلَ في السَّرى **
** وأنا الشِّهابُ إذا رأيتُ المُنْكَرا
ما لي سِوى نَفْسٍ تَعِزُّ على الشِّرَا **
** قد بِعْتُها للهِ، واللهُ اشترى

وصلى الله على سيدنا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين







سعيد بنعياد

ارتقاء
06-11-2014, 08:42 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

حيّاك الله أستاذي الفاضل أبو يوسف وبارك فيك وبك ولا حرمنا الله من فيضي خيرك

معلومات نتأملها متسائلين اين كنا منها

لك الشكر أفدتنا بما نقلته سيدي و

تقبل تحياتي الطيبة وتقديري

http://www11.0zz0.com/2014/11/06/22/609325806.jpg (http://www.0zz0.com)

إرتقاء

abohmam
07-11-2014, 11:04 AM
جزاك الله خيرا أخى ابا يوسف

وبارك الله في الأخ سعيد بنعياد

:abc_152:

أبو يوسف
07-11-2014, 03:20 PM
أشكر لكم هذا التواجد الطيب حتى في الردود هناك رد لأحد الإخوة تعقيبا على قصيدة للشيخ القرضاوي من ديوانه (لفحات ونفحات). وله فيه شعر جيِّد؛ لكن يبدو أن انشغاله بالفقه والدعوة صرفه عن الاستمرار في نظم الشعر.

ومِمَّا قاله، وهو ينوي هجر الشعر [من الطويل]:

أُريد له هجرًا، فيغلبُني حبي
وأنوي، ولكن لا يُطاوعني قلبي

وكيف أُطيق الصبرَ عنه وإنما
أرى الشعرَ للوجدان كالماء للعُشبِ

فكم شَدَّ من عزمٍ، وبَصَّرَ من عمًى
وأيقظَ مِن نومٍ، وذلَّلَ من صعبِ

لقد بغَّضَتْ لِي الشعرَ في مصر ثُلَّةٌ
يبيعونهُ بالمال للبغْيِ والنهبِ

فكمْ سافحٍ قدْ لَقَّبُوهُ بفاتحٍ
وكم مُسرفٍ سَمَّوْهُ ذا الكرَمِ الرحْبِ

وكم فاجرٍ باغٍ مَشَوْا في رِكابهِ
وسمَّوهُ ليْثًا، وَهْوَ أدْنَأُ مِن كلبِ

وكم ولغت في حرمة الناس كفُّهُ
فغطَّوْا عليها، كالخضابِ على الشيْب

إذا كان هذا دَيْدَنَ الشعر في الورى
فما هو إلا السمُّ في المشرب العذبِ

وثلةُ سوءٍ ظنتِ الشعرَ معدنًا
يصاغُ بجهْدٍ كالنحاس وكالصلبِ!

فجاؤوا به وزنًا أجفَّ من الصفا
وأثقل من هجر على مهجةِ الصَبِّ!

لئنْ نحتوهُ كالتماثيل هيئةً
فمَن لَهُمُ بالروح، والروحُ مِن ربي؟

وشرذمة أخرى سَبَى اليأسُ قلبَهُمْ
ولليأس جندٌ كمْ يُميتُ وكمْ يَسْبِي

إذا عرَضُوا للشعب، قال قَنُوطُهمْ:
عليلٌ قد استعصى على نُطُسِ الطِّبِّ

نَسُوا ما به من مكرمات كوامنٍ
كُمونَ اللظى في الفحم، والتِّبْرِ في التُّرْب

لك اللهُ شعبًا سامَهُ جمعُ قلةٍ
فيا لك من جمعٍ، ويا لك من شعب!

يُريقُ دماهُ المُتْرَفونَ لِيَنْعَموُا
بها خمرةً تحلو على اللهو واللَّعْبِ

يُسيغونَهُ لحمًا، فإذْ ما تمتَّعُوا
رموه عظامًا كاد يقضي لها نحْبي

يساقُ إلى ما يشتهون كأنهُ
قطيعٌ، وويلٌ للقطيعِ من الذئبِ!

وطائفةٌ أخرى أطاعوا هواهُمُ
فجازوا إلى اللذاتِ دربا إلى دربِ

يقولون: ليسَ المرءُ إلا فؤادهُ
وكيف يعيش المرءُ جسمًا بلا قلبِ؟

فغاصوا به في الغيد والحب والهوى
كأنْ لم يكن في القلب معنًى سوى الحب!

إذا لم يكن في القلب دينٌ وهمةٌ
وبغْضٌ لطغيانٍ، فما هو بالقلبِ!

عجبت لهم، قالوا : تماديتَ في المنى
وفي المثل العليا، وفي المرتقى الصعب!

فأَقصِر، ولا تُجهد يراعَكَ، إنما
ستبذر حَبًّا في ثرًى ليسَ بالخصبِ

فقلت لهم: مهلا، فما اليأس شيمتي
سأبذر حَبي، والثمارُ من الربِّ

إذا أنا أبلغتُ الرسالةَ جاهدًا
ولم أَجِدِ السمعَ المجيبَ، فما ذنبي؟

وقفتُك يا شعري على الحق وحده
فإنْ لَمْ أَنَلْ إلاَّهُ، قلتُ لهم : حسبي!

وإن قال غِرٌّ: ثروتي، قلتُ: دعوتي!
وإن قال لي: حزبي، أقول له: ربي!

فعشْ كوكبًا يا شعرُ يهدِي إلى العُلا
ويَنْقَضُّ رجْمًا للشياطين كالشُّهْبِ!

الهمام
09-11-2014, 04:38 PM
شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

أبو فارس
10-11-2014, 06:05 PM
موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .

أبو يوسف
02-12-2014, 07:41 PM
أشكر لكم هذا التواجد الطيب والحضور المتواصل

خضر صبح
18-02-2015, 03:46 PM
:abc_152:
بارك الله فيك أخي ابو يوسف
:abc_023: