المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : صور من بلاغة الأطفال


أبو يوسف
07-10-2011, 09:51 PM
بسم الله الرحمن الرحيم


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
:bar:

http://www.abc4web.net/uploaded/407_11293633538.gif

(صور من بلاغة الأطفال)

مقال منقول للفائدة:

صور من بلاغة الأطفال
الكاتب : مصطفى قاسم عباس - سوريا –


نعلم جميعاً أن مرحلة الطفولة هي أروع المراحل التي يمر بها الإنسان في رحلة حياته, وأن الطفولة كلما ذكرت فإن البراءة والطهر والنقاء تذكر معها، ويجول في خواطرنا قول الشاعر:
وصن ضحكة الأطفال يا رب إنها
إذا غردت في ظامئ الرمل أعشبا

******

كما أننا عندما نطالع سير العظماء, ونعود إلى مراحل صباهم, فإننا نرى أن النجابة والإبداع والذكاء ظهرت بوادره في وقت مبكر من حياتهم، وبخاصة العلماء منهم, فلهم ذكريات مع الطفولة لا تنسى, وهم لا يزالون في مرحلة الطلب.
وعندما نقرأ في القرآن الكريم ونتأمل فيه نرى أن الله جل وعلا يخبرنا أنه آتى يحيى الحكم صبياً, وأن قوم إبراهيم قالوا: سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم, كما حدثنا عن أصحاب الكهف: إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى.
وعندما نتحدث عن الأطفال النجباء فإننا نتذكر طفولة بعض الصحابة, فهذا ذو نهم شديد بطلب العلم, وهذا ذو شوق للجهاد في سبيل الله حتى يحظى بالشهادة, وغيره يتعارك مع صديقه ليصرعه أرضاً ويبرهن بذلك على قوته حتى يقبله الرسول صلى الله عليه وسلم في المعركة.

ونماذج الطفولة الذكية المبدعة الخلاقة في حبها للجهاد وشغفها بطلب العلم ظهرت عند كثير من الصحابة في سن مبكرة, كما قرأنا في سيرة ابن عباس وابن عمر وأسامة بن زيد ومعاذ ومعوذ رضي الله عنهم أجمعين.
وسنسوق في هذه العجالة بعض الصور والنماذج الرائعة للأطفال البلغاء المبدعين من الصحابة وغيرهم وفي ميادين شتى, وإنني سأهتم بجانب واحد من جوانب ذكاء هؤلاء الأطفال, وهو الأجوبة البليغة التي يعجز عنها الكبار, والتي تأتي محكمة السبك, رصينة العبارة, ثابتة كثبوت الجبال, تدل على بلاغة وبيان, مع ثقة الطفل المتكلم بها بنفسه, واحترامه لمن يخاطبه.

فعندما مر عمر بن الخطاب بعبد الله بن الزبير وهو صبي يلعب مع الصبيان, ففروا ووقف, فقال له: مالك لم تفر مع أصحابك؟ قال: يا أمير المؤمنين, لم أجرم فأخاف, ولم تكن الطريق ضيقة فأوسع لك.
وكذلك ما ذكر من أن إياس بن معاوية تقدم وهو صبي إلى قاضي دمشق, ومعه شيخ فقال: أصلح الله القاضي, هذا الشيخ ظلمني واعتدى علي وأخذ مالي, فقال القاضي: ارفق به ولا تستقبل الشيخ بمثل هذا الكلام! فقال إياس: أصلح الله القاضي, إن الحق أكبر مني ومنه ومنك.
قال: اسكت, قال: إن سكت فمن يقوم بحجتي؟ قال: تكلم, فوالله إنك لا تتكلم بخير فقال إياس: لا إله إلا الله وحده لا شريك له, فرفع صاحب الخبر هذا الخبر إلى الخليفة فعزل القاضي وولى إياساً مكانه.

ثم يروي لنا الأصمعي هذه الحادثة فيقول: قلت لغلام حدث السن من أولاد العرب: أيسرك أن يكون لك مائة ألف درهم وأنك أحمق؟ فقال: لا والله, قلت: ولم؟ قال أخاف أن يجني علي حمقي جناية تذهب مالي, ويبقى علي حمقي.
وأدخل على الرشيد صبي له أربع سنين فقال له: ما تحب أن أهب لك, قال: حسن رأيك.

بل قد تكون فتاة صغيرة, وتأتي بكلمة تسكت الرجل ولا ينبس ببنت شفة في الجواب. قال بشر الحافي: أتيت باب المعافى بن عمران فدققت الباب, فقيل لي: من؟ قلت بشر الحافي, فقالت لي بنية من داخل الدار: لو اشتريت نعلاً بدانقين ذهب عنك اسم الحافي.

بل قد تنقذ الفتاة الصغيرة أباها من القتل عندما تحسن الكلام, فكيف بها إذا كنت تحسن نظم الشعر, وذلك كما حصل مع يزيد بن زبيبة الشيباني الذي عاش دهراً طويلاً حتى لحق زمن الحجاج, وسعى مع ابن الأشعث، فظفر به الحجاج وورد عليه كتاب عبدالملك بن مروان يأمره بقتله, فلبس ثياباً بيضاً, وتهيأ للقتل وركب, وخرجت نساؤه حتى أتين باب الحجاج, فلما أدخل يزيد عليه، قال له الحجاج: أنت يزيد بن قرة؟ قال: نعم. قال: قتلني الله إن لم أقتلك. قال: نشدتك الله أيها الأمير ألا تقتلني، فإني قيم أربع وعشرين امرأة، ليس لهن قيم سواي. قال: ومن يعلم ذلك؟ قال: هن بالباب. فأمر بإدخالهن، فكل واحدة تقول: اقتلني ودعه. فيقول: من أنت؟ فتقول: عمته أو خالته أو بنته أو بنت أخ أو بنت أخت، حتى اجتمعن بين يديه قياماً، فقامت بنية له صغيرة. فبكت بكاء حاراً موجعاً محرقاً, وأنشأت تقول:
أحجاج إمـا أن تـمن بنعمة
عليـنا وإمـا أن تقتلنا مـعاً
أحجاج كم تفجع به إن قـتلته
ثماني عشر واثنـتين وأربـعـا
أحجاج لو تسمع بكاء نسـائه
وعماته ينـدبنه الليل أجـمعـا
أحجاج من هـذا يقوم مقامـه
علينا، فمهلاً لا تزدنا تضعضـعا
أحجاج هبـه الـيوم لله وحده
وللـباكيات الصارخات تفجعا
فرق لها الحجاج وبكى، وكتب في أمره إلى عبدالملك يصف ما جرى فكتب إليه: إن كان حقاً فاعف عنه، وألحق عياله في العطاء، ففعل.

كما أن الخير والنفع قد يعم البوادي عندما يتكلم طفل بكلام بليغ فصيح بين يدي الخليفة وذلك كما حصل مع درواس بن حبيب فقد حكي أن البادية قحطت في أيام هشام بن عبدالملك، فقدمت عليه العرب، فهابوا أن يكلموه، وكان فيهم درواس بن حبيب، وهو ابن ست عشرة سنة، له ذؤابة، وعليه شملتان، فوقعت عليه عين هشام، فقال لحاجبه:
ما شاء أحد أن يدخل علي إلا دخل حتى الصبيان!، فوثب درواس حتى وقف بين يديه مطرقاً فقال: يا أمير المؤمنين إن للكلام نشراً وطياً، وإنه لا يعرف ما في طيه إلا بنشره، فإن أذن لي أمير المؤمنين أن أنشره نشرته، فأعجبه كلامه، وقال له: انشره لله درك!، فقال: يا أمير المؤمنين إنه أصابتنا سنون ثلاث: فسنة أذابت الشحم, وسنة أكلت اللحم، وسنة دقت العظم، وفي أيديكم فضول أموال، فإن كانت لله ففرقوها على عباده، وإن كانت لهم، فعلام تحبسونها عنهم؟!، وإن كانت لكم، فتصدقوا بها عليهم، فإن الله يجزي المتصدقين، فقال هشام: ما ترك الغلام لنا في واحدة من الثلاث عذراً. فأمر للبوادي بمائة ألف دينار، وله بمائة ألف درهم، ثم قال له: ألك حاجة؟ قال: ما لي حاجة في خاصة نفسي دون عامة المسلمين، فخرج من عنده وهو من أجل القوم.

وهكذا رأينا أن البلاغة لا تقتصر على الكبار دون الصغار, ولا على جنس دون جنس, وصغار اليوم هم كبار قوم آخرين, وعلى كل الأحوال, ما رأينا إنساناً مبدعاً في رجولته إلا وكانت علامات النجابة والفصاحة والبلاغة ترتسم عليه في طفولته.
وهذا غيض من فيض عن بلاغة الأطفال وفصاحتهم, وتاريخنا حافل بالكثير الكثير من أمثال هذه الصور والمواقف، وليس لي إلا أن أقول لأطفال اليوم:

فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم
إن التشبه بالـكرام فـلاح



:bar:
http://www.abc4web.net/uploaded/407_11293633573.gif
.

أبو صخر
10-10-2011, 07:29 PM
موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .

النصل القاطع
11-10-2011, 09:18 PM
كم كان عصرهم جميل
و رائعة تلك البلاغة منهم

جروح بارده
25-10-2011, 05:49 PM
فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم
إن التشبه بالـكرام فـلاح
:
ابدعت بطرحك للموضوع:abc_152:

الحارث بن فيصل
05-12-2011, 12:36 PM
شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .